فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِم} كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله: {مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] وينقلون إليهم أسرار المؤمنين {مَّا هُم مّنكُمْ} يا مسلمون {وَلاَ مِنْهُمْ} ولا من اليهود كقوله: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} [النساء: 143] {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب} أي يقولون والله إنا لمسلمون لا منافقون {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنهم كاذبون منافقون {أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} نوعًا من العذاب متفاقمًا {إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي إنهم كانوا في الزمان الماضي مصرين على سوء العمل أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة.
{اتخذوا أيمانهم} الكاذبة {جَنَّةُ} وقاية دون أموالهم ودمائهم {فَصَدُّواْ} الناس في خلال أمنهم وسلامتهم {عَن سَبِيلِ الله} عن طاعته والإيمان به {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وعدهم العذاب المخزي لكفرهم وصدهم كقوله: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب} [النحل: 88] {لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله} من عذاب الله {شَيْئًا} قليلًا من الإغناء {أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ} أي لله في الآخرة أنهم كانوا مخلصين في الدنيا غير منافقين {كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} في الدنيا على ذلك {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ} في الدنيا {على شَيْءٍ} من النفع أو يحسبون أنهم على شيء من النفع ثم بأيمانهم الكاذبة كما انتفعوا هاهنا {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} حيث استوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة.
{استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان} استولى عليهم {فأنساهم ذِكْرَ الله} قال شاه الكرماني: علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والمشارب والملابس، ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمائه والقيام بشكرها، ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان، ويشغل لبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشيطان} جنده {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخاسرون}.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ في الأذلين} في جملة من هو أذل خلق الله تعالى لا ترى أحدًا أذل منهم {كتاب الله} في اللوح {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} بالحجة والسيف أو بأحدهما {إِنَّ الله قَوِىٌّ} لا يمتنع عليه ما يريد {عَزِيزٌ} غالب غير مغلوب.
{لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ} هو مفعول ثان لـ: {تَجِدُ} أو حال أو صفة لـ: {قَوْمًا} وتجد بمعنى تصادف على هذا {مَنْ حَادَّ الله} خالفه وعاداه {وَرَسُولُهُ} أي من الممتنع أن تجد قومًا مؤمنين يوالون المشركين، والمراد أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في الزجر عن مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والاحتراز عن مخالطتهم ومعاشرتهم.
وزاد ذلك تأكيدًا وتشديدًا بقوله: {وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} وبقوله: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان} أي أثبته فيها وبمقابلة قوله: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشيطان} بقوله: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله} {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ} أي بكتاب أنزله فيه حياة لهم، ويجوز أن يكون الضمير للإيمان أي بروح من الإيمان على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به.
وعن الثوري أنه قال: كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان.
وعن عبد العزيز بن أبي رواد أنه لقيه المنصور فلما عرفه هرب منه وتلاها.
وقال سهل: من صحح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس بمبتدع ولا يجالسه ويظهر له من نفسه العداوة، ومن داهن مبتدعًا سلبه الله حلاوة السنن، ومن أجاب مبتدعًا لطلب عز الدنيا أو غناها أذله الله بذلك العز وأفقره بذلك الغنى، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه، ومن لم يصدق فليجرب.
{وَيُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا رَضِيَ الله عَنْهُمْ} بتوحيدهم الخالص وطاعتهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بثوابه الجسيم في الآخرة أو بما قضى عليهم في الدنيا {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الله} أنصار حقه ودعاة خلقه {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون} الباقون في النعيم المقيم الفائزون بكل محبوب الآمنون من كل مرهوب. اهـ.

.قال ابن جزي:

{قَدْ سَمِعَ الله قول التي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}
نزلت الآية في خولة بنت حكيم، وقيل خولة بنت ثعلبة، وقيل خولة بنت خويلد، وقيل: اسمها جميلة وكانت امرأة أوس بن الصامت الأنصاري أخي عبادة بن الصامت. فاظهر منها، وكان الظهار في الجاهلية يوجب تحريمًا مؤبدًا، «فلما فعل أوس ذلك جاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أوسًا أكل شبابي ونثرت له بطني، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيتك إلى قد حرمت عليه، فقالت: يا رسول الله لا تفعل إني وحيدة، ليس لي أهل سواه، فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل مقالته فراجعته» فهذا هو جدالها {وتشتكي إِلَى الله} كانت تقول اللهمه: إني أشكو إليك حالي وانفرادي وفقري. وروي أنها كانت تقول: اللهم إن لي منه صبية صغارًا إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا {والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ} المحاروة هي المراجعة في الكلام قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفى علي وسمع الله كلامها، «ونزل القرآن في ذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها وقال له: أتعتق رقبة؟، فقال: والله ما أملكها. فقال: أتصوم شهرين متتابعين؟، فقال: والله، ما أقدر، فقال له: أتطعم ستين مسكينًا؟ فقال: لا أجد إلا أن يعينني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعونة وصلاة، يريد الدعاء فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعًا وقيل: بثلاثين صاعًا ودعا له، فكفّر بالإطعام وأمسك زوجته».
{الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَائِهِمْ} قرئ {يظاهرون} بألف بعد الظاء وبحذفها وبالتشديد والتخفيف والمعنى واحد وهو إيقاع الظهار، والظهار المجموع عليه هو أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ويجري مجرى ذلك عند مالك تشبيه الزوجة بكل امراة محرّمة على التأبيد، كالبنت والأخت وسائر المحرمات بالنسب، والمحرمات بالرضاع والمصاهرة، سواء ذكر لفظ الظهر أو لم يذكره كقوله: أنت علي كأمي أو كبطن أمي أويدها أو رجلها خلافًا للشافعي فإن ذلك كله عنده ليس بظهار. لأنه وقف عند لفظ الآية وقاس مالك عليها لأنه رأى أن المقصد تشبيه حلال بحرام {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} رد الله بهذا على من كان يوقع الظهار ويعتقده حقيقة، وأخبر تعالى: أن تصير الزوجة إمّا باطل، فإن الأم في الحقيقة إنما هي الوالدة {وَإِنَّهُمْ لَيَقولونَ مُنكَرًا مِّنَ القول وَزُورًا}. أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور هو الكذب. وإنما جعله كذبًا لأن المظاهر يصيِّر امرأته كأمه. وهي لا تصير كذلك أبدًا. والظهار محرم ويدل على تحريمه أربعة أشياء؛ أحدها قوله تعالى: {ما هن أمهاتهم} فإن ذلك تكذيب للمظاهر. والثاني أنه سماه منكرًا. والثالث أنه سماه زورًا. الرابع قوله: {وإن الله لعفو غفور}، فإن العفو والمغفرة لا تقع إلا على ذنب وهو مع ذلك لازم للمظاهر حتى يرفعه بالكفارة.
{والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} جعل الله الكفاكرة في الظهار على ثلاثة أنواع مرتبة لا ينتقل إلى الثاني حتى يعجز عن الأول ولا ينتقل إلى الثالث حتى يعجز عن الثاني؛ فالأول: تحرير رقبة. الثاني صيام شهرين متتابعين. والثالث إطعام ستين مسكينًا والطعام يكون من غالب قوت البلد {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} مذهب مالك والجمهور أن المسيس هنا يراد به الوطء وما دونه من اللمس والتقبيل وفلا يجوز للمظاهر أن يفعل شيئًا من ذلك حتى يكفر، {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ} قال ابن عطية: الإشارة إلى الرخصة في النقل من التحرير إلى الصوم وقال الزمخشري: المعنى: ذلك البيان والتعليم لتؤمنوا، وهذا أظهر لأنه أعم.
{إِنَّ الذين يُحَادُّونَ الله} أي يخالفون ويعادون {كُبِتُواْ} أي هلكوا وقيل: لعنوا وقيل: كبت الرجل إذا بقي خزيان ونزلت الآية في المنافقين واليهود.
{مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلاَثَةٍ} يحتمل أن يكون النجوى هنا بمعنى الكلام الخفي، فيكون ثلاثة مضاف إليه بمعنى الجماعة من الناس فيكون ثلاثة بدل أو صفة، والأول أحسن {إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} يعني بعلمه وإحاطته، وكذلك سادسهم، وهو معهم إينما كانوا.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى} نزل في قوم من اليهود كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون على المؤمنين فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعادوا، وقيل: نزلت في المنافقين، والأول أرجح لقوله: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} لأن هذا من فعل اليهود والأحسن أن المراد اليهود والمنافقين معًا لقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِم} [المجادلة: 14] فنزلت الآية في الطائفتين {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} «كانت اليهود يأتوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: السام عليك يا محمد بدلًا من السلام عليكم. والسام: الموت. وهو ما أرادوه بقولهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله لهم: وعليكم. فسمعتهم عائشة يومًا فقالت: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلًا يا عائشة إن الله يكره الفحش والتفحش فقالت: أما سمعت ما قالوا؟ قال: أما سمعت ما قلت لهم إني قلت: وعليكم» ويريد بقوله: {لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} قوله تعالى: {قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى} [النمل: 59] {وَيَقولونَ في أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقول} كانوا يقولون: لو كان نبيًا لعذبنا الله بإذايته فقال: الله: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} أي يكفيهم ذلك عذابًا.
{إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ} قيل: يعني النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وحذف وصفها بذلك لدلالة الأول عليه وقيل: أراد نجوى اليهود والمنافقين ويؤيد هذا قوله: {لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ}.
{إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا} اختلف في سبب نزول الآية فقيل: نزلت في مقاعد الحرب والقتال، وقيل: نزلت بسبب ازدحام الناس، في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على القرب منه، وقيل: أقام النبي صلى الله عليه وسلم قومًا ليُجلسَ أشياخًا من أهل بدر في مواضعهم، فنزلت الآية. ثم اختلفوا هل هي مقصورة على مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أو هي عامة في جميع المجالس؟ فقال قوم إنها مخصوصة ويدل على ذلك قراءة المجلس بالإفراد، وذهب الجمهور إلى أنها عامة ويدل على ذلك قراءة المجالس بالجمع، وهذا هو الأصح ويكون المجلس بالإفراد على هذا للجنس، والتفسيح المأمور به هو التوسع دون القيام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس الرجل فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا» وقد اختلف في هذا النهي عن القيام من المجلس لأحد هل هو على التحريم أو الكراهة {يَفْسَحِ الله لَكُمْ} أي يوسع لكم في جنته ورحمته {وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ} إي إذا قيل لكم: ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك، واختلف في هذا النشوز المأمور به فقيل: إذا دعوا إلى قتال أو صلات أو فعل طاعةٍ، وقيلأ: إذا أُمروا بالقيام من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يحب الانفراد أحيانًا، وربما جلس قوم حتى يؤمروا بالقيام، وقيل: المراد القيام في المجلس للتوسع.
{يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ} فيها قولان أحدهما: يرفع الله المؤمنين العلماء درجات فقوله: {والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ} صفة للذين آمنوا كقوله: جاءني العاقل الكريم، وأنت تريد رجلًا واحدًا، والثاني: يرفع الله المؤمنين والعلماء الصنفين جميعًا درجات، فالدرجات على الأول للمؤمنين بشرط أن يكون علماء، وعلى الثاني للمؤمنين الذين ليسوا علماء، وللعلماء أيضًا ولكن بين درجات العلماء وغيرهم تفاوت يوجد في موضع آخر كقوله صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلًا» وقوله عليه السلام: «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» فإذا كان لهم فضل على العابدين والشهداء، فما ظنك بفضلهم على سائر المؤمنين.
{إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قال ابن عباس: سببها أن قومًا من شبان المسلمين كثرت مناجاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في غير حاجة، لتظهر منزلتهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمحًا لا يرد أحدًا، فنزلت الآية مشددة في أمر المناجاة، وقيل: سببها أن الأغنياء غلبوا الفقراء على منادجاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية منسوخة باتفاق، نسخها قوله بعدها: {ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية: فأباح الله لهم المناجاة دون تقديم صدقة، بعد أن كانت أوجب تقديم الصدقة قبل مناجاته عليه السلام، واختلف هل كان هذا النسخ بعد أن عمل بالآية أم لا؟ فقال قوم: لم يعمل بها أحد وقال قوم: عمل بها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه روي أنه كان له دينار فصرفه بعشرة دراهم وناجاه عشر مرات، تصدق في كل مرة منها بدرهم وقيل: تصدق في كل مرة بدينار، ثم أنزل الله الرخصة لمن كان قادرًا على الصدقة، وأما من لم يجد فالرخصة لم تزل ثابتة له بقوله: {فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم}، {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} التوبة هنا يراد بها عفو الله عنهم في تركهم للصدقة التي أمروا بها، أو تخفيفها بعد وجوبها {فَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة} أي دُوموا على هذه الأعمال التي هي قواعد شرعكم، دون ما كنتم قد كلفتم من الصدقة عند المناجاة.